فصل: 263- قولهم في قدرة الإنسان على ما علم الله أنه لا يكون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (نسخة منقحة)



.262- قولهم في قدرة الله على ما علم أنه لا يكون:

القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون:
1- قال أكثر المنتحلين للتوحيد: إن الله قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون.
فإذا قيل لهم: فلو فعل ذلك اختلفوا في الجواب فقال أكثرهم: لو فعل ذلك لكان عالمًا أنه يفعله فلم يكن الخبر بأنه لا يفعله سابقًا ولكن الخبر بأنه يفعله سابقًا.
2- وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحًا وقيل أن الله- سبحانه- قادر على ذلك الشيء أن يفعله.
3- وقال سليمان بن جرير: إن قال قائل: تقولون: إن الله قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله؟ قلنا: هذا كلام له وجهان: إن كنتم تعنون ما جاء به الخبر أنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يجئ به خبر فإن كان مثل ما في العقول دفعه عن الله أن يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء به الخبر من إحالة القولين وأما ما لم يجئ به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز ذلك لجهلنا بالمغيب منه وأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقًا فإن قالوا: فيعلم البارئ أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله قيل: لهذا وجهان إن كنتم تعنون أنه يعلم أنه لا يفعله وأنه يقدر على فعل ما علم أنه لا يفعله والعلم موجود بأنه لا يفعله فالسؤال في هذا محال وإن كنتم تعنون أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على معنى أنه لو فعله كان هو المعلوم وأن القدرة عليه جائزة لو كان المعلوم أنه كائن فقد نقول أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على هذا المعنى.
4- وقال عباد: ما علم الله أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول: قادر عليه كما أقول: الله عالم به ولا أقول: عالم بأن يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكذلك الجواب فيما أخبر الله أنه لا يكون عنده وكان إذا قيل له: فلو فعل ما علم أنه لا يفعله أحال قول القائل.
5- وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي إذا قيل له: فلو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك.
وكان يقول مع هذا: لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الله الجنة.
وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله: لو آمن الإنسان أدخله الله الجنة وكان الإيمان خيرًا له وكقول الله-عز وجل-: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] فالرد مقدور فقال: لو كان الرد المقدور لكان منهم عود مقدور ويزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل: لو كان الجسم متحركًا ساكنًا في حال لكان حيًّا ميتًا في حال وما أشبه ذلك ويزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام وهذا كقول القائل: لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر؟ وذلك أنه إن قال: كان يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقًا بأن لا يكون كان الخبر الذي كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالمًا استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالمًا بما لم يزل عالمًا به بأن لا يكون لم يزل عالمًا وإن قال: كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتًا صحيحًا وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام فلما كان على أي وجه أجيب عن ذلك استحال الكلام لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل.

.263- قولهم في قدرة الإنسان على ما علم الله أنه لا يكون:

واختلفوا في قدرة الإنسان على ما علم الله أنه لا يكون:
1- فأجازت المعتزلة ذلك.
2- وأنكره أهل الإثبات.

.264- قولهم في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون:

واختلفوا في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون.
1- فقال أكثر المعتزلة: ما علم الله أنه لا يكون لاستحالته أو للعجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه.
2- ومن قال: إنه يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القوة عليه فيكون الله عالمًا بأنه يكون يذهب بقوله: (يجوز) إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال: يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل أخذه بدلًا من تركه فيكون الله عالمًا بأنه يفعله يريد بقوله: (يجوز) يقدر فذلك صحيح.
3- وقال الأسواري مثل ما حكيناه من إنكاره أن يقال أن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون.
4- وقال عباد بن سليمان: قول من قال: يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون كقوله: يكون ما علم الله أنه لا يكون وأحال القول: يجوز ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز معنى يكون عنده.
5- وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: ما علم الله- سبحانه- أنه لا يكون وأخبر بأنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله-عز وجل- وما علم الله أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده بمعنى الشك وبمعنى يحل.
6- وكل المعتزلة لا يجوز أن يكون الشيء في حال كون ضده على البدل بأن لا يكون كان ضده.
7- وينكر ذلك ممن قال ذلك من أهل الإثبات ويقول أكثرهم: إنه جائز أن يكون ما أخبر الله أنه لا يكون بأن لا يكون كان أخبر أنه لا يكون فإن كان تجويزهم لهذا ليس بتجويز لأن يكون الشيء كائنًا لا كائنًا في حال واحدة فكذلك تجويز من جوز كون الشيء في حال كون ضده من أهل الإثبات ليس بتجويز لاجتماع المتضادات.
265- هل يقدر الله أن يقدر أحدًا على فعل الأجسام؟
واختلف الناس: هل يقدر الله- سبحانه- أن يقدر أحدًا على فعل الأجسام أم لا؟ يوصف بالقدرة على ذلك؟ وهل يقدر الله أن يقدر أحدًا على فعل الحياة والموت أم لا يوصف بالقدرة على ذلك؟.
1- فقال معمر: لا يوصف الله- سبحانه- بالقدرة على أن يخلق قدرة لأحد وما خلق الله لأحد قدرة على موت ولا حياة ولا يجوز ذلك عليه.
2- وقال النظام والأصم: لا يوصف الله بالقدرة على أن يخلق قدرة غير القادر وحياة غير الحي وأحالا ذلك.
3- وقال عامة أهل الإسلام: إن الله- سبحانه- قد أقدر العباد وأحياهم وأنه لا يقدر أحد إلا بأن يخلق الله له القدرة ولا يكون حيًّا إلا بأن يخلق الله له الحياة.
4- وقال قائلون من المشبهة: إن الله- سبحانه- قد أقدر العباد على فعل الأجسام وأنه لا يفعل إلا ما كان جسمًا وأن العباد يفعلون الأجسام الطويلة العريضة العميقة.
5- وقال قوم من الغالية: إن الله- سبحانه- قد أقدر علي بن أبي طالب-رضوان الله عليه- على فعل الأجسام وفوض إليه الأمور والتدبيرات.
6- وقال قوم منهم: إن الله- سبحانه- قد أقدر نبيه عليه السلام على فعل الأجسام واختراع الأنام وهذا كقول من قال من النصارى: إن الله خص عيسى بلطيفة يخترع بها الأجرام وينشئ بها الأجسام وهو كقول من قال من اليهود أن الله- سبحانه- خلق ملكًا وأقدره على خلق الدنيا فذلك الملك هو الذي خلق الدنيا وأبدعها وأرسل الرسل وأنزل الكتب وهو قول أصحاب ابن ياسين وهو مشتق من قول أصحاب الفلك الذين قالوا: إن الله خلق الفلك وأن الفلك هو الذي خلق الأجسام وأبدع هذا العالم الذي يلحقه الكون والفساد وأن ما أبدعه البارئ لا يلحقه كون ولا فساد.
7- وقال بعض الضعفاء من العامة: إن النبيين هم الذين فعلوا المعجزات والأعلام التي ظهرت عليهم.
8- وقال عامة أهل الإسلام: لا يجوز أن يقدر الله- سبحانه- مخلوقًا على خلق الأجسام ولا يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر أحدًا على ذلك ولو جاز ذلك لم يكن في الأشياء دلالة على أن خالقها ليس بجسم.
9- وأما الحياة والموت وسائر الأعراض فقد أنكر الوصف لله- سبحانه- بالقدرة على الإقدار عليها كثير من أهل النظر حتى أنكروا أن يوصف الله- سبحانه- بالقدرة على أن يقدر أحدًا على لون أو طعم أو رائحة أو حرارة أو برودة وكل عرض لا يجوز أن يفعله الإنسان فحكمه هذا الحكم عندهم وهذا قول أبي الهذيل والجبائي.
10- وقال قوم: يجوز أن يقدر الله- سبحانه- عباده على فعل الألوان والطعوم والأراييح والإدراك بل قد أقدرهم على ذلك ولا يجوز أن يقدر أحدًا على الحياة والموت وهذا قول بشر بن المعتمر.
11- وكان أبو الحسين الصالحي يقول في كل الأعراض من الحياة والموت وغيرهما: إن الله قادر على أن يقدر عباده على ذلك وينكر الوصف لله بالقدرة على أن يقدرهم على الجواهر.
12- وقال النظام: لا يجوز أن يقدر الله- سبحانه- أحدًا إلا على الحركات لأنه لا عرض إلا الحركات وهي جنس واحد ولا يجوز أن يقدر على الجواهر ولا على أن يخلق الإنسان في غيره حياة.
13- وقال أكثر المعتزلة: إن الله قد أقدر العباد أن يفعلوا في غير حيزهم.
14- وقال بعض المتكلمين: إن العباد قد أعجزهم الله- سبحانه- عن اختراع الجواهر لأنفسهم وهم عاجزون عن ذلك لأعيانهم.
15- وقال بعضهم: لا يوصفون بالقدرة على ذلك ولا بالعجز عنه لاستحالته.
16- وقال النجار: إن الإنسان قادر على الكسب عاجز عن الخلق وأن المقدور على كسبه هو المعجوز عن خلقه.
17- وأبى ذلك غيره وقالوا: لا نقول: إن الله- سبحانه- أعجزنا عن الخلق ولا نقول: أقدرنا عليه لاستحالة ذلك وإن كنا قادرين على الكسب كما أن الحركة التي يقدر البارئ عليها لا يوصف بالقدرة على أن يحلها الله في نفسه ولا بالعجز.

.266- هل يقدر الله أن يقلب العرض جسما وعكسه؟

واختلفوا: هل يقدر الله- سبحانه- أن يقلب الأعراض أجسامًا والأجسام أعراضًا؟
1- فقال قائلون: الأشياء إنما كانت على ما هي عليه بأن خلقها على ما هي عليه وهو قادر على أن يقلب الأجسام أعراضًا والأعراض أجسامًا.
وأكثر القائلين بهذا القول يقولون: الجسم إنما هو أخلاط كنحو الطعم واللون والرائحة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا وكذ.
2- وقال قائلون: الوصف لله بالقدرة على هذا يستحيل لأن القلب إنما هو إبطال أعراض من الشيء وخلق أعراض فيه والأعراض فليست محتملة لأعراض تبطل منها وتوجد فيها غيرها فتنقلب والأعراض لم تكن أعراضًا لأعراض خلقت فيها فتكون الأجسام إذا حلتها تلك الأعراض انقلبت أعراضًا واعتلوا بعلل غير هذه العلة.

.267- هل يقدر الله على صيرورة الجسم جزءا لا يتجزأ:

واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يرفع جميع اجتماع الأجسام حتى تكون أجزاءً لا تتجزأ؟
1- فأنكر ذلك النظام ومن أنكر الجزء الذي لا يتجزأ.